صفة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كأن الشمس تجري في جبهته وما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر
وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنهم قال: قلت للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة
ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه كجيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء، موصول البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، خمصان الإخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء
إذا زال زال تقلعًا، ويخطو تكفأ، ويمشي هونًا سريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت معًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره لملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام
قلت: صف لي منطقه
قال : كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فضلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثًا، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة، وإن دقت لا يذم ذواقًا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها، فإذا تعرض للحق لم يعرف أحدًا، ولم يقم لغضبه شيء، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كله، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب وأعرض أشاح، وإذا ضحك غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانًا ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومجلسه ومخرجه وشكله، فلم يدع منه شيئًا
قال الحسين: لقد سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء: جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه، ثم جزأ نفسه بينه وبين الناس، فيرد ذلك العامة بالخاصة، فلا يدخر عنهم شيئًا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأذنه، وقسمتهم على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم فيما يصلحهم ويلائمهم ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياي؛ فإنه من أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادًا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة، يعني على الخير
قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟
فقال : كان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا ما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو قال: ولا ينفرهم، فيكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة
فسألته عن مجلسه فقال : كان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين متواصين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجة، ويحفظون الغريب
قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟
قال : كان صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فاحش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء (الجدال) والإكثار (أي الإكثار من الكلام أو المال) وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدًا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته (أي لا يكشف عورة أحد أو لا يظهر ما يريد الشخص ستره ويخفيه عن الناس) ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه
إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم
يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة (أي الجفاء والغلظة) في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة فأرشدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ (أي مقتصد في المدح غير متجاوز اللائق به)، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز (أي يجاوز الحق ويتعداه ) فيقطعه بنهي أو قيام
قال: قلت: كيف كان سكوته؟
قال : كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر. فأما تقديره: ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره أو قال تفكره: ففيما يبقى ويفنى
وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاد الرأي فيما أصلح أمته، والقيام لهم بما جمع لهم في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي في الشمائل، والطبراني في الكبير
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه بحمرة
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في صفته صلى الله عليه وسلم: كان أزهر اللون، والأزهر الأبيض الناصع البياض الذي لا تشوبه حمرة ولا صفرة ولا شئ من الألوان
وقد نعته بعض من نعته بأنه كان مشرب حمرة، وقد صدق من نعته بذلك ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح؛ فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الثغر
وعنه رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم اللحية
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية
وعن أبي هريرة رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود اللحية
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا دهن ومشط لم يتبين وإذا شعت رأسه تبين
عن إياد بن أبي رمثة رضي الله عنهما قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟
قلت: لا
قال: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك
عن عبد الله بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر
وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإني رأيت شعرا من شعره قد لون
قال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد، ولو عددت ما أقبل عليه من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة، وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غير لونه
فائدة
يلحظ مما تقدم من الأحاديث ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب، مثل حديث أبي رمثة وحديث ابن عمر رضي الله عنهم، ومنها ما ينفي ذلك مثل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
ومن الأحاديث أيضا ما حدد عدد شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث أنس الآنف الذكر؛ فإنه حدد الشيب بإحدى عشرة شيبة، بينما وردت أحاديث أخر دلت على أن الشيب أزيد من هذا العدد، مثل حديث ابن عمر
وقد جمع العلماء رحمهم الله بين هذه الأحاديث ورجحوا ما يأتي
أولاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب
قال ابن كثير، رحمه الله: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقررة أن الإثبات مقدم على النفي، لأن المثبت معه زيادة علم ليست مع النافي
ثانياً : أن إثبات غير أنس من الصحابة لأزيد مما ذكر من الشيب مقدم لا سيما ما جاء عن ابن عمر الذي يظن أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة؛ ذلك أن اطلاعها أتم من اطلاع أنس؛ لأنها ربما فلت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام
صفات أخري لرسول الله صلى الله عليه وسلمعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: ".. كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسما وكان في ساقيه حموشة
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص
وعن عبد الله بن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قدما
قال القاضي عياض: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه، والذي يلي أذنيه وعاتقيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه، قال: وقيل بل لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصير شعره بلغ المنكب، وإذا قصره كان إلي أنصاف الأذنين فكان يطول ويقصر بحسب ذلك
وعن أبن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رءوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤم فيه بشئ ثم فرق صلى الله عليه و سلم رأسه - رواه الترمذي وفي صحيح مسلم نحوه
وسدل الشعر: إرساله، والمراد هنا إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة، وأما الفرق: فهو فرق الشعر بعضه عن بعض
قال العلماء: والفرق سن لأنه هو الذي رجع إليه صلى الله عليه وسلم
والصحيح جواز الفرق والسدل، يكون الفرق أفضل - والقصة: شعر الناصية يقص حول الجبهة
وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر - رواه الترمذي
الغدائر: هي الذوائد، والمفرد: غديرة
وعن أنس رضي الله عنه: كان في لحيته صلى الله عليه وسلم شعرات بيض - رواه مسلم
وعنه رضي الله عنه: ما كان في رأسه صلى الله عليه وسلم ولا لحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة بيضاء وعن ابن عمر: نحو عشرين
وفي الصحيحين: أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة
قال الثوري: المختار أنه صبغ في وقت وتركه في أوقات كثيرة، فأخبر كل بما رأى، وهو صادق
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه |
وأكمل منك لم تلد النساء | | وأجمل منك لم تر قط عيني |
كأنك قد خلقت كما تشاء | | خلقت مبرءا من كل عيب |
وقال حسان أيضا |
ولا في جنان الخلد مثلك أخر | | فما ولدت حواء من صلب آدم |
وقال أخر |
ينكس الحسن رأسه خجلا | | أن جاء الحسن كي يقاس به |
وقال القرطبي: لم يظهر لنا تمام حسنه صلى الله عليه و سلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه و سلم
وأما ورد من أنها كانت كأثر المحجم، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها: محمد رسول الله، أو سر فإنك المنصور، أو نحو ذلك فلم يثبت منها شئ
وقال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر، إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر قدر جمع اليد، والله أعلم
السر في خاتم النبوة كان عند كتفه الأيسر
وقال: وقع في حديث عبد الله بن سرجس عند مسل أن خاتم النبوة كان بين كتفيه عن نغض كتفه اليسري
ثم قال العلماء: السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة، وقد ورد في خبر مقطوع أن رجلا سأل ربه أنه يريه موضع الشيطان، فرأي الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه الأيسر حذاء قلبه، له خرطوم كالبعوضة - أخرجه أبن عبد البر يسند قوي إلي ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز فذكره، وذكره أيضا صاحب (الفائق) في مصنفه
وله شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يعلي وأبن عدي ولفظه: أن الشيطان واضع خطمه على قلب أبن آدم: الحديث
وأورد أبن أبي دواد في كتاب (الشريعة) من طريق عروة بن رويم أن عيسي عليه السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من أبن آدم، وقال فإذا برأسه مثل الحية، وأضع رأسه على تمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا غفل وسوس
وقال السهيلي: موضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان ليوسوس لأبن آدم
وقد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم: كيف كان بدأ أمرك؟ فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد، وفيه أن الملكين لما شقا صدره صلى الله عليه و سلم قال أحدهما للأخر: "خطة فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة" انتهي
فلما ثبت أن خاتم النبوة كان بين كتفيه حمل ذلك عياض على أن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى التأم كما كان وقع الختم بين كتفيه كان ذلك أثر الشق
وفهم النووي وغيره أن قوله: (بين كتفيه) متعلق بالشق وليس كذلك بل هو متعلق بأثر الختم، ويؤيده ما في حديث شداد بن أوس عند أبي يعلي في (الدلائل) لأبي نعيم أن الملك لما أخرج قلبه وغسله ثم أعاده ختم عليه بخاتم في يده من نور فامتلأ نورا وذلك نور النبوة، فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر لأن القلب في تلك الجهة
وفي حديث عائشة عند أبي دواد الطيالسي وأبن أبي أسامة في (الدلائل) لأبي نعيم أيضا: أن جبريل وميكائيل لما تراءيا له عند المبعث (هبط جبريل فسلق لحلاوة القفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم ألقاني، وخيم في ظهري حتى وجدت برد الخاتم في قلبي، وقال: أقرا) الحديث هذا مستند القاضي فيما ذكره وليس بباطل.
قال الحلبي: ولعل ابن سبع استنبط من هذا ومن الحديث الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه أنه يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا، وقوله: واجعلني نورا، ما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم كان من خصائصه أنه كان نوراً
وقال العلامة على بن محمد القاري: وفي حديث أبن عباس: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل، ولم يقم مع الشمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوؤه ضوء السراج ذكره ابن الجوزي وذكره المناوي في (شرح الشمائل) وقال: ذكره في الوفاء بأسانيده
المصدر
http://www.alsiraj.net/sfat/html/page00.html