تُعد كلمة التوتر واحدة من أكثر الكلمات استخداماً وانتشاراً بين الأفراد في المجتمعات الحديثة، إذ تحولت تلك الحالة من الانزعاج العام، والتأثيرات السلبية في الصحة والحالة النفسية، إلى تأثير مزمن لدى كثيرين، وعلى الرغم من أن وجود العديد من الأسباب التي تجعل من التوتر مرافقاً مزعجاً للمرء في كل الأوقات، إلا أن المنظمة الأميركية لعلم النفس، كشفت أخيراً أن التوتر المزمن يزداد تفشياً بين النساء بشكل خاص، جاعلة منه أحد أهم الأسباب المؤثرة سلباً في أسلوب الحياة، سواء في العمل أو مع العائلة.
وذكرت المنظمة أن 80٪ من النساء معاناتهن من التوتر الطويل الأمد بسبب المال، والحالة الاقتصادية، إضافة إلى 70٪ كشفن أنهن غالباً ما يكن قلقات حيال المشكلات الصحية، التي يمكن أن تؤثر فيهن وفي عائلاتهن، متناسيات واقع تأثير التوتر في حد ذاته على ذلك، وذكرت الطبيبتان ستيفاني ماكليلان، وبيث هاميلتون في كتابهما «شديدة التوتر: الخطة المحكمة للتخلص من التوتر للنساء»، الأسباب الأربعة الشائعة المسببة للتوتر بين النساء، إضافة إلى تقديم دراسات للكشف عن حلول عملية قابلة للتطبيق.
نشاط مفرط
وتقول ماكليلان، إن النشاط المفرط هو أحد الأعراض الشائعة للتوتر المستمر «وهو ما يعرف بين الأفراد بحالة الاستجابة الكلاسيكية والمحددة للتوتر، إذ يدخل الجسم في حالة من اليقظة، حيث يكون الدماغ، والجهاز العصبي شديدي التنبه»، مبينة أن الأفراد الذين غالباً ما يشعرون بأنهم متوترون وقلقون، أو من يعانون غالباً مشكلات في النوم، إذ يقعون تحت هذا التصنيف من حالات التوتر.
وأوضحت ماكليلان أن ما يحدث داخل الجسم هو أن هرمونات التوتر، وهي «الكورتيزول» و«الأدرينالين»، تتلاعب وتتخذ طرقاً منحرفة وغير مباشرة للحصول على المزيد من الطاقة إلى الدماغ، والقلب، والعضلات، وهي الحالة التي غالباً ما تحصل للمرء عند مواجهته للخطر، إذ يضخ الجسم هذه الهرمونات بكثافة لإعانة الجسم على مواجهة الخطر والتصرف السريع، مشيرة إلى أن الأمر قد يتحول إلى حالة صحية خطرة مع الوقت، حيث يستمر القلب في العمل بجهد مضاعف، بينما يضعف الجهاز المناعي، ويحتاج الجسم في هذه الحالة إلى السكريات والدهون بهدف حرقها وتحويلها إلى طاقة، ما يعني المزيد من زيادة الوزن في حال عدم الحركة للتخلص من تأثيرها.
وترى ماكليلان وهاميلتون في كتابهما، أن التمارين الرياضية، تعد أحد أهم العناصر التي تعين النساء اللاتي يعانين من هذا النوع من التوتر، حيث ستعين ممارسة الرياضة المرأة من حرق السعرات الحرارية الإضافية التي تستمر في تناولها بسبب حالة التوتر المفرطة في النشاط، إضافة إلى التخفيف من مشاعر التوتر.
وفي حال الشعور بالحاجة الملحة للجسم لتناول السكريات، ينصح الكتاب، باعتماد الحميات الغذائية التي تحتوي على الأطعمة القليلة بأنواع السكريات العالية، والغلوكوز، والحرص على تناول الكربوهيدرات المعقدة، ما يعين الدماغ على إفراز مادة «السيروتونين» المهدئة، إضافة إلى أهمية تناول الأطعمة المحتوية على «التريبتوفين»، مثل البيض، والسمك، وأنواع الطيور، والمكسرات، والتي تعين هي الأخيرة على الاسترخاء، وينهي الكتاب الحلول الخاصة بهذا النوع من التوتر، بأهمية تطوير عادات التأمل والاسترخاء، سواء عبر رياضة اليوغا، أو ببساطة البحث عن الهدوء.
انهيار
تبين هاميلتون، أن النوع الثاني هو الذي يتعامل بفاعلية ونشاط مفرط كالنوع الأول، عند المعاناة من حالة التوتر والدخول فيها، إذ تتصرف النساء بطريقة جيدة جيداً خلال الموقف، إلا أنهن ينهرن بعد ذلك، ويعتقد باحثون، أن أسباب ذلك تكمن في إفراز هذا النوع من التوتر كميات كبيرة جداً من هرمون «نوريبينيفرين».
وتنصح المؤلفتان بأهمية البحث عن مصادر وسلوكيات تعين على الاسترخاء والتجديد، إضافة إلى أهمية التغذية السليمة، وتناول الأطعمة الغنية بكل من مادتي «تريبتوفين» و«تيروسين»، في فترة الشعور بالتوتر، وهي المواد التي يمكن الحصول عليها في كل من السمك، والمكسرات، والطيور، والبيض، إضافة إلى اعتماد طقوس معززة للاسترخاء، مثل العلاجات العطرية المعروفة باسم «أروما ثيرابي»، أو علاجات التدليك، وممارسة التأمل، وممارسة التمارين الرياضية المعدة للحفاظ على توازن الجسم، مثل اليوغا، و«التاي تشي».
إنهاك
توضح هاميلتون، أنه ومع الوقت «ومع التوتر المزمن والمستمر، تبدأ الحالة بالتأثير في الجسم وعلى الجهاز العصبي، حيث يحاول الجسم في هذا النوع من التوتر التعويض عن الحالة»، ما يعني إفراز هرمون التوتر «الكورتيزول» بكمية أقل من المعتدلة، كرد فعل عكسي، مشيرة إلى أن المتوترة في هذه المجموعة «تبدو غالبا هادئة، إلا أن الحالة تجعلها منهكة ومفتقرة إلى الطاقة، وهو الأمر الذي قد يكون جيدا أحيانا، لأن هذا يعني أن المرأة تشعر بأنها أقل توتراً، ولا يعاني القلب من الإجهاد أيضاً، إلا أنه في الوقت ذاته، يعمل «الكورتيزول» المسبب للتوتر على وظائف أخرى، من أهمها وظيفته المضادة للالتهابات في الجسم، ما يعني ضعف جهاز المناعة وعدم توازنه، ما يعني المعاناة من أنواع الحساسية، وآلام مختلفة من دون أسباب واضحة، وطاقة منخفضة دائماً.
ويمكن تفادي مشكلات هذا النوع من التوتر بالحرص الدائم على مراقبة وفحص مناعة الجسم بشكل دوري، واعتماد نظام غذائي مضاد للالتهاب، واعتماد التمارين الرياضية التي تعين على حفظ الطاقة وليس هدرها والتي تعرف باسم «التمارين منخفضة التأثير»، مثل المشي، و«البيلاتيس» واليوغا، إضافة إلى أهمية التفكير الإيجابي، ما يعين الدماغ على تفعيل مسارات المكافآت، وتعزيز المزاج بشكل أفضل.
الهروب
ترى الطبيبة ستيفاني ماكليلان، أن هذا النوع من أنواع التوتر، قد يكون الأكثر ندرة بين النساء، إلا أنه شديد الأهمية «إذ تعاني النساء في هذا النوع من نظام شديد الحماية بطريقة كبيرة جداً، أكثر قوة من النوع المنهك السابق، حيث تضعف وتبطؤ جميع انفعالاتهن وردود أفعالهن أمام السبب الموتر»، ما يعني ميلهن إلى الانفصال عن الحالة، والهروب عندما لا يمكن السيطرة على الوضع.
وتكون حلول هذا النوع في محاولة جعل الدماغ يرتبط ويتفاعل مع الأمور المحيطة المختلفة، فتلك أهم الخطوات الرئيسة لحل المشكلة، إضافة إلى ممارسة أنشطة مكررة وذات إيقاع ثابت خلال الأسبوع، مثل الاستماع إلى الموسيقى، أو المشي اليومي، أو لعب الكلمات المتقاطعة، وهي التمارين التي تعين على إعادة الدماغ لحالته التفاعلية الصحيحة.
وفي ما يخص الأطعمة، فإن هذا النوع الانعزالي من التوتر يجعل المعدة أكثر حساسية من المفترض، ما يعني أهمية التركيز على الأطعمة الغنية بالألياف، مثل الفواكه الطازجة، والخضراوات، وأطعمة المح الكامل، التي غالبا ما تكون خفيفة وغير متعبة للجهاز الهضمي.