خُلق الإنسان هلوعا
وصف الإنسان بالهلوع، والهلع يعتبر ويصنف من جملة الخصال النفسية أو الشخصية غير المحمودة ولا نرى له غير ذلك. والهلع يأتي من ضعف البنية العصبية للإنسان عموماً من الناحية الفسيولوجية ومن ضعف الثقافة الفكرية وعدم المعرفة بحقائق الشدائد التي تحيق بالشخصية أو ظروف وملابسات المشاكل. ومن البديهي أن يقل الهلع والخوف نسبياً عند الإنسان إذا ما قُدّر له أن يطلع على حقائق تلك الشدائد والمشاكل والمحن وتحليلاتها الأصولية، ولكنه أي الهلع يبقى سمةً من سمات شخصية الإنسان الضعيف. والهلع هو الإرباك الظاهر على الشخصية أو داخل النفس نتيجة تغير في عدد من إفرازاته وأنزيماته بوازع من خلايا دماغية تعاني من وطأه تحليل لظاهرة معينة هي علة ذلك الهلع وهذه العلة قد تكون موقفاً سلبياً أو تهديداً مباشراً... الخ.
والآية الكريمة التي تصف الإنسان بالهلع ( إن الإنسان خلق هلوعا) (3) ( وإذا مسه الشر جزوعا) (4) ( وإذا مسه الخير منوعا) (5).
تؤكد على أن هذا الهلع ليس صفة عرضية على شخصية الإنسان بل هي خصلة أو خصوصية من خصوصيات خلقه وتقويمه الذاتية التي تندرج في بنيته منذ نشأته الأولى والتي ترجع أساسا إلى النطفة والماء الدافق حيث قال (جل) ( من نطفة خلقه فقدره) (6) وقال أيضاً ( خلق من ماء دافقْ يخرج من بين الصُلب والترائب) (7).
والحقيقة أن ليس التسلسل في السور 70-80-86 فقط هو الذي يوحي ويعزو باستقراء أن هلع النفس يرجع أساسا إلى النطفة والماء الدافق بل إن التطور العلمي كشف للعالم عن حقيقة الصبغيات الوراثية الموجودة في الجينات والتي يطلق عليها حالياً أم ار-أن-أي وكذلك دي-أن-أي وأن هذه الصبغيات هي التي تحتوي على الموروثات الطبيعية للشخصية وهي غير الخصال التطبعية التي يكتسبها الإنسان خلال تجاربه الحياتية وظروفه البيئية.
ونأمل أن تستطيع البشرية في الغد القريب اكتشاف الأسرار العلمية العميقة لهذه الصبغيات ومعادلاتها الحقيقية كي نستطيع التخلص من هذا الموروث الهلوع ومن ثم نكون أهلاً لخلافة الله في الأرض كما اراد الله لنا أن نكون.
أما بقية الآيات الكريمة 20-21 السابقة من سورة المعارج والتي تصف الإنسان بالجزوع عندما يمسه الشر والمنوع عندما يسمه الخير في ظروف معينة فهي تكمل خصوصية الهلع الشخصي والنفسي إذ تميز النفس البشرية في مواقف الشر والشدة عنها في مواقف الانفراج والرخاء.
ولابد هنا من الإشارة إلى الفارق بين الهلع الموروث كسمة نفسية وبين الجزع أو الامتناع كصفتين ناتجتين عن تلك السمة. والحقيقة التي يتوجب النظر إليها هي أن هذا التشخيص النفسي والمواصفات المكملة له ـ الجزع ومنع الخير ـ لم تأت على المستوى النظري أو الثقافي فقط بل على المستوى التجريبي الذي دام قرونا بدأت منذ النزول وليست وليدة عصر النهضة الإسلامية ولا عصر النهضة الأوروبية.
ولو تعمقنا قليلاً واستدرجنا النظر في الآيات التالية من سورة المعارج لوجدنا واكتشفنا ضرورة وحتمية العلاج النفسي بعد ذلك التشخيص الإلهي لتلك الخصال النفسية غير الحميدة سواء كانت متأصلة موروثة أو ناتجة حتمية عنها