[size=25]( حَنآنْ )
وُلدتْ في الـ 29 من فبراير لـ سنة 1980 ، إحتلفوا بـ يوم ميلادها في السنة الرابعة من عمرها ،
لم تكن مختلفة سوى في حزنٍ يعتري ملامح وجهها ، تملك عينان مثخنة بـ الوجع ،
حين بلغت سن الرابعة عشرة إجتاحتها عواطف الحب وأرادت أن تجد لـ قلبها السكينة
ولكنّها كانت تحرص أن لا يهتز نبضها إلاّ لـ من سترتبط به مستقبلاَ ،
كل ما فعلته هو إقحام رجل في خيالها وبادلته حبًّا أسطوريا ،
عاشت له وحده ولم تشّدها يومًا أحاديث صديقتها ( إيلاف ) عن موعد غرامي أو قصاصات ورق
دوّنت عليها أرقام أو بعض كلمات غزل وإعجاب ، كانت تهوى خيالها وتجيد الإحتفاظ به ،
أخبرتها أختها الوحيدة ( إيمان ) أن إبن عمتها تقدم اليوم لـ خطبتها
وأنّ أمهم وافقت على الفور وأبلغتها عن سعادتها بـ هذه الخطوبة ،
فرحت ( حنان ) بـ هذا الخبر كثيرًا لـ علمها بـ الحب المتبادل بين أختها وبين ( خالد ) ،
وخلال شهرين فقط تم الزواج وذهبت أختها لـ بيت زوجها ، لـ تبقى هي وحيدة إلاّ من خيال ،
وحين بلغت العشرون من العمر إحتلفت بـ يوم ميلادها الـ الخامس
كان ذلك في الـ 29 من فبراير لـ العام 2000 ،
وحصلت أيضًا على شهادة دبلوم في الإدارة وقرّرت أن تتقدّم لـ الوظيفة
وبعد خمسة أشهر قُبلت في العمل الحكومي وباتت تسير في روتين لا يكسره
سوى خيال يلوح في الأفق ، أمضت أجمل أيّام عمرها مع رجل الخيال ،
لم تملّ إهداءه شوقها وعاطفتها وحبّها ،
كانت أمنية ( حنان ) الوحيدة هي الإرتباط بـ رجل تحبّه من أعماقها ، يفوق حبّها لـ خيال يعتريها ،
وبعد عامين من إنشغالها في العمل ، لاح طيف زوج المستقبل ،
وتحديدًا في الخامس من نوفمبر سنة 2002 ، تقدّم ( محمد ) لـ خطبتها ،
كادت أن تلامس السماء فرحًا بالخبر ، وقرّروا أن يكون يوم الزفاف في الـ 14 من فبراير لـ سنة 2003 ،
سرّها هذا التاريخ كثيرًا وإنتشت روحها حين علمت أن ( محمد ) هو من إختاره ،
وبقيت تنتظره بـ فارغ الصبر لـ يتحقق حلم تمنّته عمرًا ،
[ 2 ] ،
الساعة التاسعة مساء اليوم الرابع عشر من فبراير لـ سنة 2003 ،
أصوات الموسيقى تصدح في أفخم صالات الأفراح ، جلست ( حنان ) بـ وجهٍ يشع منه ضوء مختلف ،
بـ رغم الرجفة التي تسري في أوصالها إلاّ أنها في أعلى قمم راحاتها ،
إنّه اليوم الذي إنتظرته منذ أن كانت في الرابعة عشر من عمرها ،
وها هي الآن عروس متوّجة تبلغ من العمر ثلاثة وعشرون سنة ،
سرعان ما مرّت الساعات وأخيرًا حضر ( محمد ) مبتسمًا لـ يكمل سعادة ( حنان ) ،
نصف ساعة فقط وإنتهى كل شئ ، إتّجه العروسان إلى الفندق لـ قضاء أجمل أيّام العمر
التي لـ طالما أرادتها أن تتحقّق ، و غادروا الفندق بعد مضي سبعة أيام ع .. س .. ل /
وعاد ( محمد ) إلى عمله إستغربت هي من ذلك ،
إتصلت به : " حبيبي ألا تظن أنّك أسرعت في العودة ؟ "
فـ أجاب : " هذا شئ يعنيني وحدي ! "
وكانت هذه أول صفعة تتلقّاها وجنة ( حنان ) : الفتاة التي إعتادت أن تكون المدلّلة
من حبيبٍ يسكن خيالها ، إعتقدت بـ أنّ لسانها شلّ فجأة ، لم تحملها قدماها ،
وحين عاد من عمله أمرها بـ الصمت وعدم التذمر لـ أنّه لا يريد أن يتعكّر مزاجه !
أخذت ( حنان ) تردّد لـ نفسها : أيّ حب هذا ! أيّ أسلوب حديث هذا ! لمَ يحدث هذا معي ؟
إحتفظت بـ تساؤلاتها وذهبت لـ ترى والدة زوجها في المطبخ علّها تنسى ما حدث .
مرّ على زواجها شهر و ستّة أيام ، توالت فيها صفعات القدر لها من ذلك الزوج الذي أرادته حبيبًا فقط ،
وحين مرّت ثلاثة أشهر قرّر ( محمد ) أن تنام ( حنان ) في غرفة أخته في الطابق السفلي ،
لـ أنّه بات يشعر بـ الملل منها ، ضمّتها أمه قائلة : " أرجوكِ يا عزيزتي أن تصمتي
ولا تخبري والديكِ عمّا يحدث مع زوجك " .
[ 3 ] ،
بعد مرور خمسة أشهر ، إعتادت حنان على الصمت ، وإعتاد ( محمد ) أيضًا على الإبتعاد عنها ،
أيقنت حنان بعد مرور كل هذه السنوات أنّها لم تملك صديقة مخلصة واحدة لها ،
فـ ما أشدّ حاجتها لـ البوح الآن .
خرجت لـ الذهاب إلى العمل كـ عادتها في الصباح الباكر
فـ إستغربت : عدم وجود سيّارة ( محمد ) أمام المنزل ، إتصلت به ولم تجد إجابة ،
فـ قرّرت الذهاب إلى منزل أسرتها بدلاً من العمل لهذا اليوم فقط ،
وحين رأت والدتها إحتضنتها بـ صمت وأخبرتها أنها إشتاقت لـ الإفطار معها كما كانت تفعل ،
فرحت الأم بذلك ، وما إن كانت توشك الكلمات بـ الخروج من فم ( حنان )
حتّى تقتلها هي بـ سؤالٍ عن والدها أو عن أختها ( إيمان ) وأبنائها ،
وإكتفت حنان بـ الإفطار والحديث مع والدتها ، ودّعتها ورحلت ،
وحين عودتها لـ منزلها رأت محمد وقد عاد لـ التو من الخارج : كانت الساعة العاشرة صباحًا ،
ذهبت إليه ، فـ تركها و أسرع بـ الدخول إلى المنزل ،
نادته حنان بـ صوت مرتفع قليلاً : " محمد إنتظر ! "
فـ توقّف ( محمد ) : " نعم ؟ "
هي : " أريد سببًا لـ ما يحدث هنا ! "
هو : " لا يوجد أي سبب ، وإن لم يكن يعجبك هذا الذي يحدث عودي لـ منزل أسرتك ،
فـ أنا لا أريدك زوجة ! "
كان هذا آخر حديث مع ذلك الزوج الذي عاشت عمرها كلّه تحلم بـ لقاءه ، حبّه ،
و تكوين أسرة معه !
كان وضعها لا يحتمل التفكير ، وكان لزامًا عليها أن تعود ، ولكنّ لمَ حدث كل هذا ،
وأين السبب له ، كانت هاجس ( حنان ) هو معرفة السبب / وبعد يوم واحد فقط علمت به .
[ 4 ] ،
جثم الحزن على صدر ( حنان ) و أتعبها تفكيرها ومن فرط بكائها ،
شحب وجهها و ظهرت بضع هالات سواد تحت عينيها ، وأنهكها الإحساس بـ الوحدة ،
وتسلّلت إليها أقبح الأفكار ولم تستطع منع أقساها ،
و لم تخلو أعماقها من سؤال ما زال يتردّد : " لماذا ؟ " ،
غادر ( محمد ) المنزل كـ عادته ، فـ قرّرت ( حنان ) أن تبحث عن ضّالتها في غرفته
لعّلها تجد ما تبحث عنه ،
لم تجد سوى : صور : لـ إمرأة سبق أن رأتها في كلّ مناسبات أسرة ( محمد ) ،
ولم تكن تلك صور وجهها فقط !
إذن الأمر لايخلو من : علاقة /
جلست ( حنان ) مع والدته لـ تعرف من هي تلك المرأة ،
وبعد عدّة تساؤلات ، علمت أنّها ( ذكرى ) إبنة عمّه ، فتاة مدلّلة ،
لم تتزوج بعد ، تعمل في القطاع الخاص ، تاريخ ميلادها : 14/2/1983 !
قرّرت أن تذهب إليها وتسألها ولم تفكّر أنّ هذا الجنون قد يكون : إهانة كبرى لها ،
ولكنّ غيرتها سيطرت عليها ، إنّها تريد الإستيلاء على ( محمد ) حبيب عمرها ،
الرجل الذي إنتظرت أن تحقّق أحلامها معه ، الرجل الذي وهبت نفسها له ، الرجل .. الرجل ... ،
جمعت أشلاء كرامتها وذهبت إلى تلك الـ ( ذكرى ) !
[ 5 ] ،
الوجهة : إحدى شركات القطاع الخاص ، إرتدت ( حنان ) فستان يميل إلى لون عينيها
و وضعت مساحيق التجميل على وجهها لـ ألاّ يظهر شحوبًا يغطّي ملامحها ،
كانت تلك المساحيق تظهرها أقوى ممّا هي عليه ، إطمأنت حنان لـ مظهرها الخارجي
وطلبت من مسؤل الأمن أن يدلّها على الموظفة ( ذكرى ) ، وأخيرًا : وقفت أمامها !
لم تتأثر ( ذكرى ) لـ من أتت إليها و خرجت من شفتاها كلمة ظنّت ( حنان )
أنّها أثقلت كاهل فمها حين خرجت منه : " نعم ؟ "
أسرعت حنان قائلة : " أنا من يجب أن يقول : نعم ! ولستِ أنتِ ! ماذا تردين من زوجي ؟ "
ضحكت ذكرى قائلة : " محمد ؟ "
هزّت حنان رأسها ،
فـ أجابت بـ صوت يكاد أن يُسمع : " بل قولي هو الذي يريد "
حنان : " حسنًا إذن ، ماذا يريد زوجي منكِ ؟ "
وبـ نفس النبرة أجابت : " الكثييييير ، ولن أخبركِ تفاصيل أكثر لأن محمد ينتظرني في الخارج "
جحظت عينا ( حنان ) من ما تلفّظت به ( ذكرى ) وهالها ما سمعت !
وإنتهت حكاية حبّها الكبير الذي سعت لـ تتويجه مع ( محمد )
وعادت مشفقة على نفسها إلى منزل أسرتها ، لـ تعلم فيما بعد أنّها لم تكن سوى ( كبش فداء )
لـ زوج أحبّ إبنة عمّه وأرادها لـ نفسه وحين وقع بينهم سوء تفاهم أصرّ ( محمد )
على الإنتقام من حبيبته وإثارة غيرتها بـ الزواج من أي فتاة وتحديدًا في تاريخ ميلاد ( ذكرى ) ،
و في اليوم التالي : أهداها ( محمد ) ورقة الطلاق !
أكثر من حزن على ( حنان ) : والدتها حدّ أنها لم تنطق بـ كلمة واحدة ولم تستفسر عن أي شئ ،
ومرّت بعد ذلك ثلاثة أشهر لـ تتفاجأ أسرة ( حنان ) [/size]